تقول نظريه السبب الأول التقليدية بما يسمى إن لكل سبب هناك نتيجة إي أن الفعل (السبب ) يؤدي إلى نتيجة فكل شيء له سبب وله مسبب ونهاية هذه السلسلة لا يمكن أن تكون لا نهائيه إذن فلابد من وجود سبب أول هو الله .
وفي الماضي تحدى فلاسفه الالحاد هؤلاء المؤمنون بالسؤال التقليدي اذا كان لكل شيء سببا فمن هو سبب الله ؟
ويجيب رجال الدين بان الله كان موجودا دائما ومن الأزل ولايحتاج الى سبب لوجوده .وللرد على هذا المنطق يجيب العلماء بما يلي :اذا افترضنا بان الله موجود منذ الأزل ودائما فلماذا لا نقبل الافتراض بان المادة موجوده منذ الازل؟
ويضيف البعض اعتراضا اخر وهو ان الفرض القائل بان لكل شيء سبب ماعدا الله هو فرض يناقض وينفي نفسه وهو في الحقيقه فرضين في فرض واحد فلكل شيء سبب فرض منطقي الا ان استثناء الله من سلسله السببيه هذه يناقض الفرض الاول وبدون ايه اثباتات وهذا يعيدنا الى المربع الاول .
هذه الحوارات الازليه والقديمه دعما ورفضا لفرضيه لكل سبب مسبب حوارات جذابه ولكنها فلسفيه بحته لذا نرى بعض العلماء قد القوا الكره في ملعب فلاسفه ورجال الدين .
وهدفي في هذا المقال هو أن أبين بان إلقاء الكره في ملعب فلاسفة الدين أصبح أمرا غير صحيحا فعلماء اليوم يستطيعون الاجابه على هذا السؤال .
تزخر كتابات دعاه الخلق الكامل في يومنا هذا بإشارات إلى ما يسمونه القوانين الفيزيائية أو القوانين الطبيعية وبعض المصطلحات التقنية محاولين إشعار القارئ أو المستمع بان استخدامهم لمثل هذه المصطلحات سيضفي على أطروحاتهم نوعا من العلميه وتؤهلهم للظهور بمستوى أكاديمي محترم .
ولكننا وحالما نخضع أطروحاتهم ومحاضراتهم(( العلمية )) إلى نقد علمي حقيقي يتبين لنا حقيقتان :
- فالمؤمنون لا يفهمون أو يسيئون استخدام تلك القوانين مخالفين بذلك المنهج الصارم لتلك القوانين
- ويبدو كذلك بان اغلب هؤلاء لا يبدو عليهم بأنهم يفهمون وبشكل واضح المعنى الحقيقي لما ندعوه بالقوانين الفيزيائية .
والتعريف البسيط والمباشر للقوانين العلمية والفيزيائية : هي أنها وصف بشري للظواهر الكونية والطبيعية .
إن التغاضي عن الالتزام بدقه هذا التعريف وحدوده العلمية – البشرية الواضحة يحاول المدافعون عن نظريه الخلق الإلهي بان هذه القوانين تحكم سلوك وحركه الكون كلها فقانون الجاذبية هو الذي يسبب سقوط الأشياء إلى الأسفل أو أن قوانين الكيمياء تتحكم بتفاعلات الجزيئات وسلوك المواد .
ان ادعاءات كهذه بان القوانين الطبيعية هي التي تتحكم بما حولنا من طبيعة تعكس فهما محرفا وخاطئا عن العلم ولنفترض أن مراسلا صحفيا قد كلف بتغطيه مباراة لكره القدم وبعد انتهاء المباراة يكتب تقريره الصحفي ملخصا فيه أهم الأحداث ونتيجة المباراة فهل من المعقول أن نقول بان ما كتبه الصحفي في تقريره عن نتيجة المباراة كان السبب في هذه النتيجه ؟!!!
بعد أن تعرفنا إلى ما يقصد بالقانون الفيزيائي وما لا يقصد به أعود إلى النقطة التي بدأت بها هذا الفصل ألا وهي :
ان القوانين الفيزيائية والتي تم التحقق منها والاعتماد على دقتها تستطيع أن ترسم صوره لما قبل الانفجار الكبير ومن أهم هذه المبادئ العلمية هو قانون حفظ الطاقة – المادة .
اثبت اينشتاين بان المادة والطاقة هما شيء واحد يظهران بشكلين مختلفين في الطبيعة وفي معادلته الشهيرة الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعه الضوء استطاع أن يوحد القانونين بقانون واحد سمي قانون حفظ الطاقة – المادة .
والقانون يوضح طبيعة العلاقة بين الطاقة والمادة وهذا يعني بان المادة والطاقة لا يفنيان ولا يستحدثان من عدم وبان المادة تتحول إلى طاقه والطاقة تتحول إلى ماده وبان المجموع ثابت في الكون
وفي الحقيقة فان كل الأجسام المادية في كوننا ((انا وانت الارض والنجوم واصغر الذرات )) مصنوعه من ماده – طاقه ولكن باشكالها المختلفه .
اذا اتفقنا جميعا على دقه قانون حفظ المادة – الطاقة أي أن هما لا يستحدث و لايفنى فهذا يعني وبالنتيجة أن كوننا موجود دائما بشكل أو بآخر بكثافة أو بأخرى موجود من الأبد والى الأبد .
ولم يوجد في اي وقت او فتره زمنيه لم تكن بها المادة – الطاقة المكونة لكوننا غير موجودة حتى وان كان هذا الوجود عبارة عن حاله من الفراغ التذبذبي أو الفراغ المتغير .
عند حدوث الانفجار الكبير كان كوننا في حاله تكثف وتركيز مادي وكان ساخنا الى درجه كبيره ومن خلال فهمنا اليوم لحاله تصرف الجزيئات نستطيع ان نقول ان المركبات الكيمياويه وكما نشهدها اليوم لايمكن ان تتواجد فالحراره والضغط العاليين تفقد هذه المركبات امكانيه الاتحاد لتشكيل مركبات وعناصر ثابته .وبعد لحظات من الانفجار وكما يعتقد معظم العلماء كان الكون المتسع عبارة عن طاقه و ماظهرت المادة إلا بعد أن تباعدت اجزاؤه وبدات درجات الحراره بالانخفاض الامر الذي سهل تكون الماده .،وبغض النظر عن الشكل الذي تواجدت به الماده – الطاقه المكونة لكوننا فانه من المستحيل ان تكون قد وجدت من لاشيء اي من فراغ مطلق كما يريد المؤمنين منا تصديقه .
ووفق قانون حفظ المادة- الطاقة فان كوننا لا يمكن ان يكون قد استحدث بل كان وسيظل موجودا بغض النظر عن شكل وجوده
ولكي نصدق الادعاءات (العلميه ) للمؤمنين يجب علينا ان ننسى وجود قانون حفظ الماده – الطاقه .
واذا كان لديهم اي دليل مختبري او تجريبي واضح يناقض حفظ الماده – الطاقه فلماذا لايشركوننا به ؟ وان لم يكن لديهم اي دليل يناقض ذلك فان الاساس الذي بنوا عليه ادعائهم بان الله هو خالق الكون من لاشيء لايمت بصله الى العلم بل هو عباره عن لاهوت وفلسفه دينيه وليس علما يناقش ويثبت .
وفيما يلي استعرض مجموعه من أشهر مزاعم المؤمنين والرد عليها :
ما يزعمه المؤمنون: الارض وبقيه الكواكب تدور بدوائر منتظمه وكامله حول الشمس .
الحقيقه العلميه: لايوجد اي كوكب بمدار دائري حول الشمس فمدار كل كوكب ياخذ شكلا يختلف عن بقيه الكواكب . كما لاوجود لبعد ثابت للدوران عن الشمس وفوق ذلك فالشمس ليست المركز الهندسي لدوران اي كوكب .
ما بزعمه المؤمنون: إن الأرض تدور بسرعه ثابته حول الشمس .
الحقيقه العلميه: ليس هناك من كوكب يدور حول الشمس بسرعه ثابته فالبعض يغير سرعته وبشكل دراماتيكي اثناء دورانه حول الشمس .
مايزعمه المؤمنون: ان الارض والكواكب تسلك نفس المدار سنه بعد اخرى .
الحقيقه العلميه: لايسلك اي كوكب ذات المدار عاما بعد اخر .
مايزعمه المؤمنون: ان الارض وضعت من قبل الله في هذا المدار لانه الوحيد الذي يمكن ان يسمح بتكون ونشوء الحياه .
الحقيقه العلميه: الارض بجوها الحالي تستطيع ان توفر مكانا للحياه في مدارات محتمله مابين مدار فينوس الى مدار مارس .لذا فلا معجزه هنا فحالما تتوفر ظروف ملائمه تكونت حياه واعتقد ان الله قد فوت الفرصه على نفسه لاظهار عظمته وذلك يتحقيق معجزه فعليه وذلك بانشاء حياه على فينوس حيث حراره سطح الكوكب كافيه لصهر الرصاص ؟؟؟ .
ان الارض ليست في مدارها الحالي لان الحياه موجوده ولكن الحياه قد وجدت لان مدار الارض يكمن في المنطقه التي تسمى بالمنطقه المضيفه للحياه-- zone of habitability -- المريخ ايضا يقع ضمن هذه المنطقه وحسب اعتقاد علماء ناسا فان المريخ قد شهد حياه من نوع ما يوما ما فهل كان الله هو الذي خلق هذه الحياه المجهريه من باب التجربه مثلا ؟
ويرى المؤمنين ان الله خلق الارض لتكون موطنا للانسان واذا سلمنا بذلك فماذا كان غرض الله من خلق بقيه النجوم والكواكب ؟
يقول بعض المؤمنين بان الله قد خلق بقيه النجوم والكواكب ليرينا عظمته ويعطينا سماءا جميله في الليل ولكنهم نسيوا اننا نرى النجوم والكواكب التي هي في مجرتنا فقط فما الداعي لبقيه النجوم التي لانراها ؟
مايزعمه المؤمنون: اذا ازيل اي من الكواكب من مجموعتنا الشمسيه فستنهار المجموعه كلها .
الحقيقه العلميه: اثبتت قوانين نيوتن بان فقدان اي كوكب من مجموعتنا لن يؤدي الى انهيارها .
مايزعمه المؤمنون: تعاقب الليل والنهار والفصول الاربعه دليل على معجزه وحكمه الهيه .
الحقيقه العلميه: ان الليل والنهار نتيجه طبيعيه لدوران الارض حول نفسها وهو كما نعلم اليوم يتباطا نتيجه لحركه مياه المحيطات وللعلم فقبل بضعه بلايين من السنين كان اليوم اقل من 13 عشر ساعه ..اما تعاقب المواسم فهو نتيجه لميلان محور الارض فزاويه الميلان الحاليه هي 23,5 وهي كما نعلم مؤقته ومتغيره وخلال بضعه الاف السنين القادمه سيمر كوكبنا بعصر جليدي جديد . والفصول التي نعرفها اليوم ستتغير تماما كما حصل في اخر عصر جليدي والذي انتهى قبل 11500 سنه .
ومن المدهش ان نعلم بان المجال المغناطيسي للارض يتغير هو ايضا . فقاع المحيط الاطلسي والذي هو عباره عن حجاره بركانيه يسجل تاريخا لتغييرات المجال المغناطيسي للارض على طول عصور تكوينها .
واثبتت الدراسات الجيولوجيه بانه وقبل بضعه الاف السنين كانت بوصلتك والتي تشير اليوم الى الشمال تشيرالى الجنوب بدلا من الشمال .ان المجال المغناطيسي للارض شهد – كما يحدث لاغلب خواص الكره الارضيه – تغييرات جذريه خلال ال 4,5 مليار سنه الماضيه من عمرها .وحال الارض والذي يبدو ازليا ولانهائيا كان عرضه لتغييرات جذريه تبدو في يومنا مستحيله وغير ممكنه الحدوث.
لذا فان الحديث عن طبيعه ( منتظمه ) كما يحلو المؤمنين ترديده دائما ليس سوى فرضيه فاشله وتعتمد على تقييم قصير الامد وقصير النظر .
مايزعمه المؤمنون: ان النظريات التي يقدمها العلماء اليوم عن كيفيه تكوين مجموعتنا الشمسيه وغيرها من النظريات ليست سوى توقعات وفرضيات عمياء لايمكن فحصها او التحقق منها .
الحقيقه العلميه: باستخدام تلسكوب هابل والمراصد الارضيه استطاع العلماء الحصول على صور فوتوغرافيه توثق كل مراحل تكوين مجموعه شمسيه ومن هذه الصور
- صور لسحب الغاز والغبار الكوني .
- صور للنيوبلا ( السديم ) وهي تتكثف متحوله الى نجوم .
- مجموعات شمسيه اخرى
- صور فوتغرافيه تشهد تفجير السوبر نوفا والتي تؤدي الى تدمير مجموعه شمسيه موفره مواد اوليه لتكوين مجموعه جديده .
توفر لنا التلسكوبات الحديثه مشاهده عمليات ولاده وموت مجاميع شمسيه في مجرتنا درب التبانه .وهذا يؤكد بان العلماء يمتلكون فهما واضحا جدا لكيفيه نشوء وموت المجاميع الشمسيه وكيف تنمو وتتطور.بعد كل ماتقدم لماذا يصر البعض على ان مجموعتنا الشمسيه قد خلقت بشكل يختلف عن بقيه المجاميع الشمسيه الاخرى؟
ولماذا تحتاج مجموعتنا الى تدخل اله الفراغات في الوقت الذي قدم فيه العلماء اثباتات كافيه تؤكد ان مساله نشوء وموت ونشوء مجاميع شمسيه هو امر طبيعي وعادي الحدوث ولايحتاج لاله الفراغات لتفسيره لنا .
حقيقتان توفران الادله الكافيه بان مجموعتنا الشمسيه قد تكونت وظهرت الى الوجود كظاهره طبيعيه وهما :
- ان الكواكب التسعه تدور كلها بنفس الاتجاه حول الشمس .
- ان كل الكواكب التسعه تدور في نفس المستوى المداري ORBITAL PLANE والذي هو نفسه مستوى خط استواء الشمس .
لماذااجد ان هذه الحقيقتين توفر تفسيرا علميا ومقنعا بالنشوء الطبيعي لكوننا ؟
لان هذا هو بالضبط مانتوقعه ان يحصل تماما لاي مجموعه شمسيه تظهر الى الوجود وبشكل طبيعي .
ولو اراد الخالق ان يبين قدرته فلماذا اختار ان يجعل الكواكب تدور في نفس الاتجاه ؟ ولماذا لم يحاول هذا الخالق ان يكون اكثر ابداعا ويظهر وبحركه ذكيه قدرته ويثبت وجوده ويجعل الكواكب لاتدور حول الشمس بنفس الاتجاه ؟لان مثل هذا الاختلاف سيكون مناقضا للطبيعه ولابد اذن والحاله هذه ان هناك شيئا خارق للطبيعه يقوم بمسكها ويشرف على دورانها وهذا الشيء سيكون هو الرب الخالق .
ولغرض النقاش وبدون اللجوء الى تفسير حركه دوران الكواكب على انها نتيجه اراده وتدخل خارق من قبل الله ،نقول ان قوانين الفيزياء والتي نعرفها الان تكفي لتفسير حركه الكواكب هذه وتكفي لتفسير نشوء الكون .
السؤال الذي سيطرحه المؤمنين هنا هو الا يمكن ان نقول بان الخالق يستخدم قوانين الفيزياء والتي اخترعها هو للتحكم بهذا الكون ؟
يبدو مثل هذا السؤال وللوهله الاولى منطقيا ويطرح تفاهم ومصالحه محتمله بين العلم والدين ،ولكن المشكله هي ان حتى طرح مثل هذا السؤال يعتبر اعترافا بالهزيمه من فبل المؤمنين لاننا اذا اعترفنا بان الكون لايقدم لنا ادله على انه يتصرف بشكل اعجازي خارق وفوق الطبيعه فنكون بذلك قد اعترفنا بانه ليس هناك ادله علميه تؤيد وتثبت مايذهب اليه المؤمنين ويجب ان نتذكر وفي هذا السياق بان المؤمنين يضعون ثقلهم كله في محاوله اظهار اعجاز حركه الكواكب وانتظامها ودقتها وتقديمه على انه دليل على وجود الله لذا فالاعتراف بان كل هذه الامور التي تجري حولنا يمكن تفسيرها بشكل لا دخل للاعجاز فيه يعني غياب الدليل على التدخل الالهي ويكون المؤمنين بذلك قد فقدوا حجتهم وبقيوا بدون حجه تماما .
فكون يسير وفق قوانين طبيعيه ويفسر بنظريات علميه واضحه لايحتاج الى صانع معجزات غامض والمنطق يدعونا الى حذف كل تفسير زائد عن الحاجه .ومن هنا فان دعاوى المؤمنين بوجود المعجزه وخلق للمعجزه تبقى عباره عن حنين وعواطف غامضه لا اهميه ولا قيمه لها .
بالتصرف عن كتاب David Mills - Atheist Universe لتحميل النسخة الانجليزية اضغط على الرابط
المصدر: نور العقل