2017/04/01

هل التزاوج الأحادي طبيعي ؟



 توضيح بعض المصطلحات قبل البدأ:

التزواج الأحادي: هو تزاوج أنثى واحدة مع ذكر واحد، قد يكون تزاوج أحادي اجتماعي: أي الذكر والأنثى يكونان مخلصان لبعض من ناحية اجتماعية (أي العيش مع بعضهما البعض) دون أن يكونا مخلصين لبعض من ناحية جنسية (أي كل واحد منهما يمارس الجنس مع فرد ثالث متى أراد ذلك)، أو قد يكون تزاوج أحادي اجتماعي وجنسي حيث يكون الطرفان مخلصان لبعض اجتماعيا وجنسيا. قد يكون التزاوج الأحادي لفترة معينة (مثل موسم التزاوج) أو قد يكون مدى الحياة.
تعدد الزوجات: وهو أن يتزوج ذكر واحد عدة إناث.
تعدد الأزواج: وهو أن تتزوج أنثى واحدة عدة ذكور.
انتهى توضيح المصطلحات


متعددي الزوجات، متعددات الأزواج، ووحيدة الأزواج ... كل الأزواج موجودة في الطبيعة. كيف يمكن تفسير هذه الأصناف من العلاقة بين الذكر والأنثى؟ هل يمكننا استخلاص نتائج منها بالنسبة للجنس البشري ؟


متعددي الزوجات، متعددات الأزواج، ووحيدة الأزواج ... كل الأزواج موجودة في الطبيعة. كيف يمكن تفسير هذه الأصناف من العلاقة بين الذكر والأنثى؟ هل يمكننا استخلاص نتائج منها بالنسبة للجنس البشري ؟
هل التزاوج الأحادي هو سمة الإنسان؟ هذا السؤال كان منذ زمن طويل موضوع مناقشات بين تيارات فكرية متعارضة، يدعي بعض التطوريين أن العيش مع شريك هي ميزة تكيفية للكائن الإنساني، ويعارضون بذلك أولئك الذين يعتقدون أن التزاوج الأحادي ليس إلا موروثا ثقافيا مناقض لميولنا البيولوجية...

هل التزاوج الأحادي ميزة تكيفية ؟



من المؤكد أن النظام الأكثر شيوعا في الطبيعة هو تعدد الزوجات، أي تزاوج ذكر واحد مع عدة إناث. منذ الستينات من القرن الماضي وأنصار البيئة السلوكية يحللون التنظيم الاجتماعي للتكاثر، بدءا من التباين بين القدرة الإنجابية للذكور والقدرة الإنجابية للإناث. من حقيقة أن هناك حاجة إلى حيوان منوي واحد فقط لتخصيب البويضة، وبذلك يكون ذكر واحد قادر على تلقيح عدد كبير من الإناث. في المقابل، الأنثى لا تجني شيئا من تعدد الشركاء الجنسيين، لأن ذكرا واحدا فقط يكفي لتخصيب البويضات التي تنتجها في كل دورة تكاثر.

مع ذلك، كيف يمكن تفسير أن التزاوج الأحادي حاضر، وإن كان بدرجة أقل، بين مجموعة واسعة من الأنواع، من اللافقاريات إلى الفقاريات؟ عند النمل الأبيض مثلا المستعمرات يتم تأسيسها من قبل ذكر وأنثى وحيدين، لماذا لا يشكل تعدد الزوجات النموذج الوحيد للتزاوج ؟

في الواقع، وعند كثير من الأنواع الحية، تكون الذكور عرضة للتزاوج الأحادي لأسباب اقتصادية، الموارد الضرورية للبقاء على قيد الحياة ليست موزعة بطريقة تسمح بتجمع الإناث في منطقة واحدة، عندما تكون الموارد شحيحة في المحيط، تكون الإناث الإناث مجبرة على التفرق لاستغلال الموارد بالشكل الأمثل. فيصبح من المستحيل على الذكور السيطرة ضد منافسيها على مساحة غنية بالموارد وكافية لجميع الإناث وذرية المستقبل. وبالتالي لا يمكن للذكور أن تكون متعددة الزوجات إلا إذا سمحت الظروف البيئية بذلك. من ناحية أخرى يمكن لبعض القيود التشريحية أن توجه التزاوج الأحادي أثناء التطور. حيث أن 95 بالمئة من الطيور 'وحيدة التزاوج' مقابل 5 بالمئة فقط من الثدييات، من السهل تفسير هذا الإختلاف، حيث أن الحمل عند الثدييات في رحم الأم والرضاعة تخفف من مساهمة الذكور في الرعاية الأبوية. أما بالنسبة للطيور فالأمر مختلف تماما، إذ أنه إذا لم يشارك الذكر في حضن البيض، فهناك احتمال كبير أن يفشل تفقيس البيض، وذلك عندما تذهب الأنثى للبحث عن الغذاء مثلا. وبالتالي فإن نجاح العملية التكاثرية سيكون في خطر.
جميع أنواع الأزواج موجودة في الطبيعة، هناك تعدد الزوجات، وهناك التزاوج الأحادي، كما أن هناك عدة أنواع من التزاوج الأحادي: زواج أحادي مع الرعاية الأبوية للصغار أو بدونها، زواج أحادي مع الإخلاص للشريك أو بدون الإخلاص...
الجمع بين التزاوج الأحادي مع رعاية الأبوين للصغار، رغم كونها قاعدة كلاسيكية، خاصة عند الطيور، لكنها ليست قاعدة مطلقة، على العكس من ذلك، بعض الأنواع لديها تزاوج أحادي حقيقي دون تقديم الكثير من الرعاية لصغارها. وهذه على سبيل المثال حالة بعض الأسماك حيث الصغار التي تولد على شكل 'يرقات عوالق' تكون مستقلة منذ الولادة. وفي بعض الحالات قد يكون التزاوج الأحادي مصحوب برعاية كاملة للصغار من قبل الذكور، إذ نلاحظ هذه الحالة عند حصان البحر، وهذه الحالة تثير تساؤل علماء البيولوجيا، حيث تعتبر حالة تناقضية من وجهة نظر تطورية.

مفارقة حصان البحر:




عند هذا الحيوان البحري الصغير، فقط الذكور مكتوب عليها أن تتمتع بالحمل لأنها تمتلك جيب حاضن داخلي للتفريخ والذي يقع في بطنها، حيث تضع فيه الأنثى البيوض الملقحة أثناء عملية التزاوج، فتجد الصغار نفسها تتمتع بكل الرعاية الأبوية. يقوم الأب وحده بحماية الأجنة وإطعامها، كما أن عملية الحمل تكفلها الذكور بشكل كامل، ولكن هذا لا يعني أن الذكور تفقد خصائصها الذكورية، فالمنافسة بينها شرسة ليتم جعلها 'حاملا' من قبل الإناث.
ميزة أخرى من مميزات حصان البحر وهو إخلاصه الذي الذي لا يتزعزع لشريكه، فكل أنثى لا تعهد ببيوضها إلا لذكر واحد فقط والذي بدوره لا يقبل إلا بيوض أنثى واحدة فقط، يتم الحفاظ على هذا الإخلاص في الحياة اليومية عن طريق طقوس: حيث يتبادل الذكر والأنثى انحناءات الاحترام كل صباح قبل أن يفترقا لبقية اليوم ويذهبا للاهتمام بأعمالهما، وعندما تكون المسافة التي تفصلهما أقل من خمسين (50) سنتيمترا نلاحظ أنهما يسرعان فجأة في السباحة ليقتربا من بعضهما البعض كأنهما غير 'لا يستطيعان الصبر' حتى يكونا مع بعضهما البعض.
ولكن استقرار الأزواج هو بعد واحد فقط من أبعاد التزاوج الأحادي، قد تختلف بشكل واسع من نوع لآخر، التزاوج الأحادي في عالم الحيوان لا يعني دائما علاقة طويلة الأمد، إذ أن طيور القطرس المتجول التي تعيش أكثر من خمسين سنة، تحافظ على نفس الشريك من سنة إلى أخرى، كما أن طيور النحام الوردي التي تعيش طويلا هي أيضا تتطلق بشكل منتظم كل عام، وما يفسر هذا الإختلاف الجذري بين الأنواع هو مجموعة الخصائص البيئية الخاصة بكل نوع.
وأخبرا التزاوج الأحادي الاجتماعي لا يعني بالضرورة التزاوج الأحادي الجنسي، إنها واحدة من أكبر اكتشافات البيئة السلوكية بفضل التقدم في مجال التحاليل الوراثية. فعند العصفوريات الأحادية التزاوج في حوالي من 10% إلى 70 % من الحالات حسب الأنواع، نجد أن الأب البيولوجي للصغار ليس الطائر المالك للعش، إذ لا نستطيع الانتهاء من عد الأنواع الأحادية التزاوج الاجتماعي التي تتزاوج إناثها مع ذكور أخرى غير شريكها الاجتماعي، هذه الأخيرة كثيرا ما تقوم بتربية صغار لم تنجبها ..

بحثا عن زواج أحادي بشري...

هل يمكن أن يكون التزاوج الأحادي عند الطيور مرجعا يستند عليه لتفسير الزواج الأحادي عند البشر؟ التساؤل حول الأصول الطبيعية للزواج الأحادي عند البشر ليس جديدا، ففي القرن التاسع عشر شكك ريمي دي غورمونت في إيجاد حيوان يتوافق مع الزواج الأحادي المثالي لتفسير الزواج الأحادي عند البشر، فيقول: "لا توجد حيوانات أحادية التزاوج باستثناء التي تمارس الجنس مرة واحدة في حياتها (...) هناك زيجات أحادية في الواقع ليست هناك حاجة لها، بما أن حياة الحيوان طويلة بما فيه الكفاية ليتكاثر عدة مرات"، وأكد الكاتب أن الجدل حول التزاوج الأحادي عند الحيوانات كان قائما منذ عصر التنوير، وكان الهدف هو التفسير بـ"الطبيعة" لنموذج التزاوج المفروض حتى الآن من الكنيسة. وفي القرن الثامن عشر، أثنى الطبيعي "بوفون" على مزايا الاتحاد بزوجة واحدة عند الطيور: "مزيد من الحنان، مزيد من الالتزام ومزيد من الأخلاق في الحب" مقارنة مع معظم ذوات الأربع أرجل.
هل يمكننا إيجاد أسباب "طبيعية" للزواج الأحادي عند البشر قادرة على حسم الجدل القائم عن ما إذا كان الإنسان أحادي التزاوج أم لا؟ كل ما سبق يساهم في إثبات أن التزاوج الأحادي عند الحيوانات لا يتبع بالضرورة الحتمية الطبيعية، يمكن أن تكون نتيجة للتكيف لأسباب اقتصادية، ونتيجة لذلك فإن أي ارتكاز على مبدأ "صفة طبيعية أم لا" لتفسير الزواج الأحادي عند البشر يبدو نهجا في غير محله. إضافة إلى ذلك فإن أغلب أنواع القرود القريبة للإنسان ليست وحيدة التزاوج.
هل غياب معيار "طبيعي" يمنعنا من وضع تحليل علمي للزواج الأحادي عند البشر؟ بالتأكيد لا، بشرط عدم الوقوع في كاريكاتير "الرجل الطائش والمرأة العفيفة"، فعلماء النفس التطوريون طوروا بحوثا يفترض بها أن تكشف عن ثبات مزاج كل من الجنسين عبر التاريخ و الثقافات،إذ أن استهلاك المواد الإباحية أقل بكثير عند النساء منه عند الرجال، بغض النظر عن البلد المعني، وحملوها كأدلة قاطعة على أن الانتقاء الطبيعي قد شكل الفتيات ليكنن أحاديات بشكل أساسي، في حين أن الرجال هم متعددي الزوجات في الأساس. محاولة إثبات حزينة تجاهلت أن المتعة في الجنس عند الإنسان قد أفرغت الجنس منذ زمن طويل من كل غرض إنجابي، ونسيت أيضا الإشارة إلى أن جاذبية المرأة للمواد الإباحية (التي صنعت خصيصا للرجال) تختلف كثيرا في الزمان والمكان، في علاقة مباشرة مع درجة التحرر الإجتماعي للمرأة. في رؤية لجنس بشري غارق وراثيا في الجمود الفكري، ينبغي استبدال الحقيقة بمرونة الجهاز العصبي البشري الذي يسمح بعمليات توافق واسعة  بين التصرفات والحالات النفسية من جهة والتغيرات المحيطية من جهة أخرى. فالهوية الجنسية للانسان تنبني في إطار ثقافي واقتصادي.
خلال سنوات، أخذت النساء النرويجيات استقلالهن الاقتصادي، وفي الوقت نفسه أصبحن أقرب إلى الرجال في تصرفاتهن الجنسية وحكمهن على الجنس. وعلاوة على ذلك، التعليم له تأثير كبير على السلوك الجنسي للأفراد، وقد أظهر بحث أجري في منتصف السبعينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية أنه كلما تحصل الأولاد وأكثر منهم الفتيات على مستوى تعليمي عالي كلما بدؤوا حياتهم الجنسية بشكل متأخر، والسؤال عما إذا كان الانسان أحادي التزاوج أم لا، لا تتم الإجابة عنه بطرق طبيعية، وعلى هذا الأساس، تحسن الظروف الاقتصادية للنساء في المجتمعات الغربية جعلهن مستقلات من غير رجعة، وجعل منهن مساويات للرجل (الأطراف الفاعلة في الحياة الزوجية).
بغض النظر عن شعورهن بالذنب تجاه المتعة الجنسية، أثبتت النساء أنهن قادرات مثل الرجال على الولاء أو التنوع في العلاقات العاطفية، مما ينقل البشر تدريجيا إلى أحادية متسلسلة، تتخللها إرتباطات وانفصالات تتم المبادرة إليها بشكل متساو بين الجنسين، أي تبادر المرأة بالإتحاد بالعلاقة أو بالانفصال عنها تماما مثل الرجل، نوع من التسوية بين المنفعة الاقتصادية من الحياة معا من جهة وبين الإغراء من جهة أخرى...

:شارك الموضوع
التعليقات
2 التعليقات

2 comments:

  1. كان حقا تقريرا رائعا ووافيا لدرجه اني اريد معاوده تكراره حتى حفظه انه حقا جيد

    ReplyDelete
  2. كان حقا تقريرا رائعا ووافيا لدرجه اني اريد معاوده تكراره حتى حفظه انه حقا جيد

    ReplyDelete

أرشيف المدونة الإلكترونية